يقول الله سبحانه وتعالى :
( سورة الرحمن ) .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أردت أن نفسر هذه الآية ، ولكن لا بد لها من تمهيد ، فالباحث في العلم يوقن يقيناً قطعياً ، والمتأمل في الكون يشعر شعوراً حقيقياً حينما يقرأ آيات القرآن المتعلقة بخلق الأكوان والإنسان ، يوقن ويشعر بكل خلية في جسمه ، وبكل قطرة في دمه ، أن هذا القرآن كلام الله ، المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن يأتي به بشر ، فرادا ومجتمعين ، من خلال المؤتمرات العالمية التي عقدت في عواصم متعددة في أنحاء العالم الإسلامي حول الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة يتضح أن أبحاثاً علمية جادةً ورصينة قام بها علماء ليسوا مسلمين ، ولا تعنيهم آيات القرآن الكريم ، استغرقت عشرات السنين ، وكلفت ملايين الملايين ، تأتي نتائج بحوثهم مطابقة مطابقةً عفويةً وتامةً من دون تكلف ولا تعنت ، ومن دون تأويل بعيدٍ عن الآية ، أو تعديل مفتعل لحقيقة علمية تأتي نتائج بحوثهم تلك مطابقة لآية أو لكلمة في آية ، بل لحرف واحد في آية ، وهذا مصداق قول الله عز وجل :
( سورة فصلت ) .
تطابق تام وعفوي بين حقيقة مقطوع بها ، وبين المعنى القطعي لآية ، كلامي دقيق ، بين المعنى القطعي لآية ، وليس المعنى الظني ، وبين حقيقة علمية مقطوع بها ، وينبغي أن يأتي هذا التوافق تاماً وعفوياً حتى يكون موضوع إعجاز علمي في الكتاب والسنة .
مثلاً : في الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول من عام 1990 عرضت إحدى أقوى وكالات الفضاء في العالم من خلال مرصد عملاق موجود في الفضاء الخارجي ، عبر موقعها المعلوماتي صورة لا يشك الناظر إليها لحظة واحدةً أنها وردة جورية ، فهي وردة جورية بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، ذات أوراق حمراء قانية ، وذات وريقات خضراء زاهية ، وفي الوسط كأس أزرق اللون ، أما حقيقة هذه الصورة فشيء لا يصدق ، إنها ليست وردةً جورية كما يتوهما الناظر ، إنها صورة جاءتنا من مرصد عملاق كبير في الفضاء الخارجي لنجم يبعد عنا 3000 سنة ضوئية ، اسمه عين القط ، هذا النجم حصل فيه انفجار ، فكانت هذه الصورة صورةً لهذا الانفجار ، ولكن ما علاقة هذا بالقرآن الكريم ، بل وما علاقة هذا بتلك الآية الكريمة التي تفضلت ، وسألت عن تفسيرها الديني والعلمي في وقت واحد ، إن هذا الانفجار الكبير لنجم عين القط الذي يبعد عنا 3000 سنة ضوئي هو ما تعنيه هذه الآية الكريمة بكل تفاصيلها .
بل إن قارئ القرآن لو عاد إلى تفاسيره كلها ، وقرأ ما كتبه العلماء الأجلاء عن هذه الآية ، أنا أشعر أن كل تفسيراتهم لا تشفي الغليل ، لكن هذه الصورة وحدها لو ألقيت النظر إليها لكانت أدق تفسير لهذه الآية ، هذه الآية .
( سورة الرحمن ) .
كنت أتمنى أن يكون هذا البرنامج مرئياً لأعرض على الإخوة المشاهدين هذه الصورة ، لقد عرضتها في التلفزيون العربي السوري في ندوة طويلة ، وعرضت دقائق هذه الصورة على كلٍ هذه الصورة هي وردة جورية ـ الصورة تعطي هنا انطباعاً أكبر ـ بكل معاني هذه الكلمة ، ولن تجد تفسيراً في كتاب الله يشفي غليلك إلا هذه الصورة .
أنا كنت من قبل تحدثت عن النمل ، وذكرت في خلال الندوة السابقة أن هذا البحث العلمي عن النمل هو أدق تفسير لقوله تعالى :
( سورة الأنعام الآية : 38 ) .
تحدثنا عن طبيعة النمل ، وعن علاقة النمل ، وعن النظام ، وعن التعاون ، وعن البيوت ، وعن جلب المواد الغذائية ، وعن وعن ، تجد أمام مجتمع بالغ التعقيد ، بالغ الانضباط ، كل هذه الحقائق تنضوي تحت قوله تعالى :
( سورة الأنعام الآية : 38 ) .
أحياناً تجد بحثاً علمياً هو أدق تفسير لآية ، وقد تجد صورة هي أدق تفسير لآية ، هذا ما دفع الإمام علي كرم الله وجهه أن يقول : " في القرآن آيات لما تفسر بعد " .
هذه الآية : فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، ماذا ورد في التفاسير ؟
ورد في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى : فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ، أي تذوب كما يذوب الدهن .
وفي قول آخر : وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ، هو الأيدم الأحمر ؛ الجلد الأحمر .
وفي قول ابن عباس : فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ، كالفرس الوردي .
وقال الحسن البصري : " تكون ألواناً " .
وقال مجاهد : كَالدِّهَانِ ، كألوان الدهان .
هذه التفاسير ، لكني جئت بهذه التفاسير لأؤكد لك أن هذه التفاسير لا تفشي الغليل ، بل هذه الصورة التي اكتشفت حديثاً عن انفجار حصل في نجم عين القط هي التي توضح هذه الحقيقة .
يقول الإمام القرطبي : فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ، قال : صارت في صفاء الدهن ولمعانه ، وكانت حمراء .
وفي قول سعيد بن جبير : " وتصير في حمرة الورد وجريان الدهن ، وقيل الدهان الجلد الأحمر الصرف ، أي تصير السماء حمراء كالأيدم لشدة حر النار " .
أردنا أن نأتي على آية أخرى في كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى :
( سورة الطارق ) .
هنا هذه الآية تحدثنا أيضاً عن نجم نريد أن نعلم ما هو هذا النجم ، وما تفسير هذه الآية ؟
النجم الثاقب ، حتى استقر رأيهم على أن هذا النجم ضوءه شديد ثاقب ، يخترق طبقات الجو ، ولم يتحدثوا إطلاقاً عن كلمة الطارق ، الثاقب شيء شديد قوي متين يثقب ، ففهموا هذه الآية على أنه الضوء الشديد الذي يثقب طبقات الظلام ، أما قوله تعالى :
( سورة النجم ) .
هذا النجم غير الشهاب الذي يسقط ، وقد ذكر الله عز وجل الشهاب في آيات كثيرة ،
( سورة الصافات ) .
وقال عز وجل :
( سورة الجن ) .
إذاً : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ، النجم الطارق ، والنجم الثاقب ، وكأن العلماء الأجلاء تجاوزا كلمة الطارق ، ووقفوا عند الثاقب ، ورأوا أن أقرب المعاني إلى كلمة ثاقب أنه ضوء شديد يخترق ، ويثقب طبقات الظلام المتراكمة ، الموضوع معقد جداً ، ولكن على سبيل التبسيط ، حينما تكبر النجوم تنكمش ، وتزول الفراغات البينية من ذراتها ، إلى أن تصبح بحجم صغير جداً ، هل تصدق أن الأرض إذا ضغطت ، وأزيلت الفراغات البينية بين ذراتها أصبحت بحجم البيضة ، وبالوزن نفسه ، هذا من قوانين الفلك ، النجم إذا تقدم في العمر ، وبلغ مراحل متقدمة جداً من عمره المديد تخف الفراغات البينية بين أجزائه ، فيصغر ، ويكون بالحجم نفسه ، فهي كرة ككرة القدم ، يمكن أن تكون الأرض كرة ككرة القدم ، ويمكن أن تكون الكرة أيضاً كالبيضة ، هذه النجوم النيترونية المنكمشة يعدل وزنها خمسين ألف بليون من الأطنان ، فإذا وضعت هذه الكرة على الأرض ثقبتها ، ووصلت إلى طرفها الآخر ، كما لو أتيت بقطن أو سائل هولاني ، ووضعت فيه كرة حديد فإنها تسقط إلى الأسفل فوراً ، هذا هو النجم الثاقب ـ لثقله وكبر حجمه ـ النيتروني الذي ضغط حتى أصبح بحجم الكرة ، وله وزن يعدل وزن الأرض ، لو أن الأرض شاخت ، أي بلغت الشيخوخة ، فإنها تصبح بحجم البيضة وبالوزن نفسه ، ووزن الأرض هو هو لكنه يصبح بحجم البيضة ، هذا هو النجم الثاقب ، كما يراه بعض العلماء ، والقرآن كما أقول دائماً حمال أوجه .
هناك تلسكوبات لاسلكية تتلقى ومضات لاسلكية من هذه النجوم ، بنبضات نوبية ، وكأن هذا النجم الذي سماه القرآن نجماً طارقاً من الطرق ، طرق الباب ، يطرق أبواب الفضاء حيث يتزايد تواتر نبضات النوبية في شبابه ، وتقلّ هذه النبضات في شيخوخته ، ونعرف من خلال تواتر هذه الومضات التي تأتي عن طريق التلسكوبات اللاسلكية ، نعرف عمر هذا النجم ، فنجم يطرق ، ونجم يثقب ، وهذا شيء من أحدث البحوث الفلكية ، نجم يطرق بومضات لاسلكية ، ونجم يثقب ، قال تعالى : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ، فهذا قسم ، فأين جواب القسم ؟ قال تعالى :
( سورة الطارق ) .
هذا الإنسان الجاهل الذي يتوهم أن هذا الإنسان خلق سدىً ، ولن يُحاسَب ، قد يبني مجده على أنقاض الآخرين ، قد يبني حياته على قتلهم ، قد يبني أمنه على خوفهم ، قد يبني غناه على فقرهم ، هذا إنسان جاهل ، فالله عز وجل يلفت نظرنا إلى هذا النجم العملاق الذي هو بحجم الكرة ، وبوزن الأرض ، وأن هذا النجم الذي يطرق أبواب الفضاء الخارجي الأول هو النجم الطارق ، والثاني هو النجم الثاقب ، فجواب القسم : إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ، فكل حركات الإنسان ، وكل سكناته ، وكل أقواله ، وكل أفعاله ، وكل بواعثه ، وكل أهدافه ، وكل آماله ، وكل ما يخفيه عن الناس يحفظه الله له ، وسيحاسبه عليه لأن الذي خلق النجم الثاقب ، والنجم الطارق ، والنجم إذا هوى ، هو الذي سيحاسب الإنسان على عمله ، قال تعالى : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ، لم يغب عن علمه نجم في السماء ، ولن يغيب عن علمه أيضاً ظلم في الأرض .
ثمة آيةٌ في سورة وردت في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم يقول تعالى :
( سورة المطففين ) .
شيء يلفت النظر ، أن سياق الجزء الأخير كله آيات كونية ، من دون استثناء .
( سورة النبأ ) .
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ، وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى .
( سورة الفجر ) .
إلا هذه السورة ، وكأنها تبدو مقحمةً في سياق كوني ، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، من أروع ما قرأت حول سر هذا الإقحام أن الله يذكر الإنسان أنك تصاب بالويل ، أو أنك هالك أيها الإنسان ، أيها الإنسان إنك هالك إذا طففت في حق إنسان ، أي بخست حقه ، فكيف إذا طففت أو بخست حق خالق الأكوان ، من باب أولى .
معجزة مستمرة إلى نهاية الكون منذ سنين بسيطة وعديدة علمنا تفسير هذه الآية الكريمة : فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ .
إذاً ، الآن تأتينا هذه التفسيرات بعد رؤية التليسكوبات الاسلكية ، وهذه الومضات اللاسلكية التي نتلقاها من هذه النجوم .
منقول